الوراثة والصحة
يتم توريثك سماتك الفيزيائية من والديك وكذلك العديد من الجينات التي تؤثر على صحتك. تحدد جيناتك جزئيًا مدى عمر جسمك وما إذا كان مستعدًا للاصابة بأمراض معينة. لا يمكنك تغيير جيناتك، لكن التدخل الطبي قد يساعد في منع الأمراض التي تكون عرضة لها. قد يمكّنك التشخيص الوراثي والمشورة المتخصصة في التحكم بخطر الإصابة بالأمراض عن طريق التعديل على نمط حياتك.
تشكل الجينات التي ترثها من والديك أساسًا لخصائصك الجسدية والعقلية. يأتي نصف جيناتك من والدتك والنصف الآخر من والدك عبر البويضة والحيوان المنوي على التوالي. يتلقى كل طفل مزيجًا مختلفًا من الجينات التي يوفرها كل والد. هذه المجموعات الجينية المختلفة تفسر الاختلافات الملحوظة في المظهر والصحة والشخصية بين معظم الأشقاء. تحدد الجينات التي ترثها جوانب كثيرة من مظهرك، مثل لون عينيك وشعرك. وهذه الجينات توجه التغيرات الجسدية المذهلة التي يحدثها النمو والشيخوخة، بشكل ملحوظ أثناء الطفولة والبلوغ. تؤثر الجينات أيضًا على كيمياء جسمك، مما قد يؤثر على خطر إصابتك بالمرض.
موروثاتك:
عند الحمل، البويضة المخصبة، أو الزيجوت، هي خلية وحيدة تحتوي على جميع المعلومات اللازمة لتكوين إنسان جديد. هذه المعلومات فريدة لكل فرد ويتم حملها في جينات، وهي أجزاء من فروع الحمض النووي ملفوفة بإحكام. الحمض النووي يوجد في نواة الخلايا ويكلف الخلايا لبناء البروتينات التي تتحكم في الخصائص الفيزيائية والنمو والتطور، وعمل الفرد. عندما تنقسم البويضة المخصبة، يتم تكرار المعلومات بحيث توجد نسخة في كل خلية من جسم الطفل النامي.
يوجد حوالي 35000 زوج من الجينات في كل خلية من خلايا الجسم، لكن بعض الجينات فقط نشطة، وهذا يتوقف على الوظيفة المتخصصة للخلية؛ على سبيل المثال، تحتوي خلايا الدماغ وخلايا الكبد على مجموعات مختلفة من الجينات. توجه الجينات نشاط كل خلية عن طريق التحكم في إنتاج بروتينات معينة. ويشارك العديد من هذه البروتينات في تكوين هياكل الجسم أو في تنظيم أنشطة الجسم. على سبيل المثال، بعض الجينات مسؤولة عن إنتاج البروتينات التي تدفع الخلايا لتكوين الأنسجة، مثل الجلد والشعر والعضلات. يؤدي البعض الآخر إلى بروتينات تتحكم في العمليات الحيوية في الجسم، مثل الإنزيمات التي تنظم تفاعلات كيميائية معينة، أو الغلوبولين المناعي، الذي يحارب الكائنات المعدية.
بعض الجينات، التي تسمى جينات التحكم، تنتج بروتينات تؤثر على جينات أخرى معينة عن طريق تشغيل أو ايقاف هذه الجينات. تنظم جينات التحكم عمليات النمو والتطور، مثل حدود نمو الخلايا. كما أنها تحدد تخصص الخلايا. ومع ذلك، إذا عطلت جينات التحكم، تتكاثر الخلايا خارج نطاق السيطرة. هذه أحد الآليات التي تطور حدوث السرطانات. في انقسام الخلايا، أثناء نسخ المادة الوراثية، يحدث خطأ من حين لآخر، مما يؤدي إلى حدوث طفرة أو تغيير في الجين. ثم تنتقل هذه الطفرة الجينية إلى خلايا جديدة في كل مرة تنقسم فيها الخلية. تُعرف الاضطرابات الناتجة عن مثل هذه الطفرات الجينية بالاضطرابات الوراثية.
قد تتسبب الجينات الخاطئة في تطور العضو أو عمله بشكل غير طبيعي، ومن المعروف أن الجينات الخاطئة تسبب أمراضًا وراثية نادرة. إذا حدث مرض وراثي في عائلتك، فقد تقرر إجراء اختبارات لمعرفة ما إذا كنت قد ورثت الجين الخاطئ. وقد ثبت أيضًا أن الاضطرابات الأكثر شيوعًا، مثل أمراض القلب، لها مكون وراثي. تعد اختبارات الكشف عن هذه الأمراض في وقت مبكر مهمة بشكل خاص إذا كان تاريخ عائلتك يشير إلى أنك في خطر.
تغيير الاحتياجات الصحية:
مع تقدمك في العمر ومرورا بمراحل الحياة المتميزة، تتغير احتياجات جسمك ومخاوفك الصحية تبعًا لذلك. على سبيل المثال، يحتاج الأطفال إلى وجبات عالية الطاقة لتعزيز النمو السريع، بينما يحتاج كبار السن إلى طاقة أقل ويأكلون أقل نسبيًا.
الشباب هم الأكثر عرضة لخطر الحوادث، ولكن في وقت لاحق من العمر يصبح الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض التنكسية حيث أن وظائف أعضاء الجسم وأجهزة الجسم الرئيسية تتناقص تدريجيا. تميل عمليات الشفاء الطبيعية أيضًا إلى أن تصبح أقل كفاءة نظرًا لنقصان مقاومة الجهاز المناعي للأمراض مع تقدم العمر. تميل أجهزة الجسم إلى التقدم في العمر بمعدلات مختلفة وتتأثر بالعوامل الوراثية ونمط الحياة التي تختلف من شخص لآخر.
على الرغم من أن متوسط العمر المتوقع قد ارتفع بشكل كبير في الكثير من البلدان على مدار القرن الماضي، وذلك بسبب تحسين التغذية والرعاية الصحية والصرف الصحي، إلا أن صحتك الشخصية الجيدة طوال العمر وخلال الشيخوخة هي حتما نتيجة للجينات التي ورثتها والطريقة التي تعيش بها حياتك.
فهم الوراثة:
في الآونة الأخيرة فقط ظهرت أدلة تبين أهمية العوامل الموروثة في تحديد خطر الإصابة بالأمراض. من المسلم به حقيقة أن الأطفال يشبهون والديهم وأقاربهم الآخرين وأن العائلات تشترك عادةً في الخصائص البدنية والسلوكية. هذا هو الميراث البيولوجي المشترك الذي يفسر أيضا بعض الأمراض “التي تسري في العائلات”.
يتم تحديد العديد من خصائصنا الجسدية والسلوكية بواسطة جيناتنا.
العوامل الوراثية، إلى جانب عوامل أسلوب الحياة، تسهم في العديد من الأمراض الشائعة. تساعد الجينات التي ترثها من والديك في توضيح سبب تباين القابلية للإصابة بأمراض معينة من أسرة إلى أخرى، بالاضافة الى ذلك، فقط بعض الاضطرابات النادرة ترتبط بالجينات غير الطبيعية.
من خلال جمع المعلومات حول التاريخ الطبي لعائلتك، قد تتمكن من تحديد الأمراض التي تبدو شائعة بشكل خاص في عائلتك. يمكن أن يوفر هذا النوع من المعلومات إشارة مبكرة قيمة للميول الوراثية للإصابة بأمراض معينة.
الاختبارات الجينية المستخدمة لتحديد ما إذا كان أي من الزوجين لديه جينات معيبة محددة تزداد بمرور الوقت. يستطيع علماء الوراثة تقييم خطر أن يرث أطفال الزوجين الجينات الخاطئة ويقدمون المشورة بشأن الآثار المحتملة على صحتهم. في العديد من الحالات، يسمح هذا في علاج أعراض الاضطرابات الوراثية في وقت مبكر.
انت وجيناتك الوراثية:
تقوم الجينات التي ترثها من والديك ببرمجة نموك من خلية مخصبة واحدة في لحظة الحمل وحتى البلوغ. في كل خلية من خلايا الجسم، لديك حوالي 35000 زوجًا من الجينات مرتبة على 23 زوجًا من الكروموسومات. ترث كروموسوم واحد من كل زوج من والدتك، والكروموسوم الآخر من والدك. مزيج الجينات يختلف قليلاً بين الأشقاء.
يوفر كل جين تعليمات للخلية لتنفيذ عملية كيميائية واحدة، والتي تتضمن في معظم الحالات بناء بروتين. تتحكم الجينات أيضًا في نمو وتكاثر الخلايا. وهم مسؤولون عن تطور الجنين، أولاً إلى رضيع، ثم الى طفل ، ثم بالغ في نهاية المطاف. طوال حياتك، تتحكم الجينات في وظائف الخلايا وإصلاح الخلايا الميتة أو التالفة واستبدالها.
لدى أقارب الدم العديد من الجينات المشتركة، وتساعد هذه الجينات في تحديد السمات الفيزيائية للعائلة وغيرها من السمات. معظم هذه الصفات، مثل شكل الأنف، يكون ليس لها أهمية على صحتك. يمكن أن ترتبط السمات الأخرى، مثل الطول أو القصر المفرط أو غير الطبيعي أو ميل الوزن الى الزيادة، بزيادة خطر الإصابة بأمراض معينة.
بعض الأمراض، مثل الهيموفيليا والتليف الكيسي، تحدث مباشرة بسبب خطأ أو طفرة في جين واحد أو زوج من الجينات. تتبع هذه الأمراض النادرة نمط وراثي يمكن التنبؤ به، وهذا يعني أن العائلات التي يتواجد فيها الجين يمكن أن تقدم عادة معلومات واضحة وموثوقة فيما يتعلق بخطر تأثير المرض على الأجيال القادمة.
أكثر شيوعًا من هذه الاضطرابات الوراثية هي تلك التي تسهم فيها الجينات، إلى جانب عوامل أخرى، في قابلية الأسرة للإصابة بأمراض معينة. على سبيل المثال، تميل بعض الاضطرابات، مثل مرض الشريان التاجي، إلى السريان داخل العائلات، ولكن عوامل نمط الحياة مثل اتباع نظام غذائي غني بالدهون والتدخين وقلة التمارين الرياضية تلعب أيضًا دورًا في تحديد ما إذا كانت هذه الأمراض سوف تتطور.
في بعض الأمراض التي لها مكون وراثي، بما في ذلك الربو، تلعب العوامل البيئية، مثل العيش في منطقة ملوثة، دورًا مهمًا أيضًا.
إن التفاعل المعقد بين القابلية الوراثية والبيئة يجعل من الصعب التنبؤ بالمخاطر في حياة الأشخاص الذين يولدون في عائلات متأثرة بالاضطرابات الوراثية خاصة من هذا النوع.
ربما لاحظت أن بعض الأمراض يبدو أنها “تسري في عائلتك”. قد يكون لهذه الاضطرابات أساس وراثي أو بسبب عوامل نمط الحياة أو مزيج من الاثنين. يمكنك إنشاء سجل للاضطرابات التي أثرت على عائلتك عن طريق إنشاء شجرة عائلة طبية (كما في الصورة) ، مما قد يساعدك على تقييم خطر إصابتك بالمرض.
جمع المعلومات:
تعد المعلومات عن والديك وإخوتك وأخواتك هي الأكثر أهمية، ولكن يمكنك تقديم صورة أكمل عن طريق معرفة أكبر عدد ممكن من الأجيال، بما في ذلك الأعمام والعمات والأجداد. ومن المفيد أيضا أن تعرف شيئًا عن أنماط حياة أقربائك لمساعدتك أنت وطبيبك في تقييم ما إذا كان أي مرض يرجع إلى حد كبير إلى السلوك أو الى الوراثة.
قد ترغب في معرفة شجرة عائلتك الطبية بدافع الفضول، لكنك ستجد هذه المعلومات مفيدة كلما احتاج الطبيب إلى طرح أسئلة حول الأمراض في عائلتك. من المحتمل أن يتم سؤالك عن التاريخ الطبي لعائلتك عندما تزور طبيبًا جديدًا؛ أو تنتظر مولوداً جديداً؛ أو إذا تم إدخالك إلى المستشفى؛ أو إذا ظهرت عليك أعراض اضطراب له صلة بالوراثة، مثل الربو.
تقييم المعلومات
قد تتمكن من التوصل إلى بعض الاستنتاجات حول خطر إصابتك بالمرض من خلال النظر إلى شجرة عائلتك الطبية. إذا كان تحقيقك يشير إلى أن مرضًا خاصًا قد أصاب أكثر من فرد من أفراد أسرتك، فيجب عليك استشارة طبيبك. في بعض الحالات، قد تتم إحالتك للاستشارة الوراثية لتقييم خطر الإصابة بمرض وراثي أو نقله إلى أطفالك.
رسم استنتاجاتك الخاصة
طول العمر يسري في عائلات معينة دون اخرى، وإذا كان العديد من أقاربك يعيشون لسن الثمانين، فلديك فرصة جيدة بأن تعيش العمر نفسه، خاصة إذا كنت تلتزم بأسلوب حياة صحي. إذا مات الكثير من أقاربك وهم صغار، فيجب عليك محاولة معرفة أسباب الوفاة. قد تكون عرضة للأمراض التي وقعت أكثر من مرة في عائلتك.
يجب أن تشك في وجود اضطراب وراثي إذا كان أكثر من طفل في عائلتك ولد ميتًا أو مات في مرحلة الطفولة ؛ أو إذا توفي أكثر من شخص بالغ بسبب أمراض القلب أو السرطان قبل سن الستين؛ أو إذا كان أكثر من شخصين في الأسرة يعانون من اضطراب مزمن مثل التهاب المفاصل؛ أو إذا كان أكثر من فرد من أفراد الأسرة يعاني من نفس الإعاقة أو المرض القاتل.
التفسير المهني
يتم تدريب المستشارين الوراثيين لتقييم خطر إصابتك بالمرض وتحديد ما إذا كنت حاملًا لجين معيب يسبب اضطرابًا وراثيًا. الناقلون لا يعانون من هذا الاضطراب لأن الجين المعيب مغطى بجين طبيعي، ولكن يمكن لأطفال الاشخاص الناقلين أن يرثوا الجين المعيب. سيحاول المستشار معرفة ما إذا كان التكرار المرتفع للمرض في عائلتك يرجع إلى الوراثة أو نمط الحياة. على سبيل المثال، إذا استمر سرطان القولون والمستقيم في عائلتك، فقد يرجع ذلك إلى عادات الأكل التي يتقاسمها أفراد الأسرة، لأن المرض قد يرتبط بنظام غذائي غني بالدهون منخفض الألياف. ومع ذلك، قد يكون لعامل الوراثة دور في ذلك.
النظر في الخيارات
قد يشير التاريخ الطبي لعائلتك إلى أنك معرض لخطر الإصابة باضطراب وراثي. في هذه الحالة، سوف يخبرك طبيبك ما إذا كان قد تم تحديد خلل معين في الجينات وما إذا كان هناك اختبار تشخيصي لمعرفة ما إذا كان لديك الجين. إذا كان الاختبار متاحًا، فيمكن للطبيب تقديم معلومات من شأنها أن تساعدك على تحديد ما إذا كان يجب إجراء الاختبار أم لا. على سبيل المثال، قد يتم إخبارك ما إذا كان المرض يتطور في كل شخص يرث الجين الخاطئ وما إذا كان العلاج الوقائي متاحًا أم لا. قد يتم إخبارك ما إذا كان الاختبار قبل الولادة للجنين ممكنًا وما هي الآثار المترتبة على طفل قد تنجبه.
يقرر بعض الأشخاص عدم المضي في الاختبارات الجينية لمجموعة من الأسباب. قد يشعر الآباء بعدم وجود ما يدعو إلى القلق بشأن مرض قد لا يؤثر بالضرورة عليهم أو على طفلهم، أو قد يختارون الاستمرار في الحمل حتى لو كان هناك خطر متزايد لتعرض طفلهم لمرض جيني. قد يشعرون بالقلق أيضًا بسبب النظرة الاجتماعية لشخص ما على أنه يعاني من مرض معين أو يكون حاملًا لجيناته. يريد آخرون معرفة نتائج الاختبارات الجينية حتى لو لم يتصرفوا بناءً على نتائجها. ضع في اعتبارك أن نتيجة الاختبار لأحد أفراد الأسرة قد تتضمن بعض الدلائل على أفراد الأسرة الآخرين الذين قد لا يرغبون في معرفة النتيجة.
الاشخاص ضمن مجموعات عرقية معينة قد يكونون عرضة لأمراض وراثية معينة، وقد يُعرض على الأفراد اجراء اختبار يعتمد على هذه الحقيقة وحدها. على سبيل المثال، يحمل شخص واحد من كل 10 أشخاص من العرق الأسود جين لمرض فقر الدم المنجلي، وهو اضطراب في خلايا الدم الحمراء. إذا كنت يهوديًا، فقد يوصيك المستشار الوراثي بفحصك لمرض داء تاي ساكس.
ما تستطيع فعله
إذا أظهرت الاختبارات أن لديك جينًا معيبًا، فسيعتمد إجراءك على ما إذا كنت تعاني بالفعل من أعراض الاضطراب الوراثي أو ما إذا كنت تواجه خطرًا كبيرًا للإصابة بهذا الاضطراب. إذا كنت تحمل جينًا معيبًا وتخطط لتكوين عائلة، فهناك خيارات متعددة يجب مراعاتها.
الناس الذين يعانون من اضطراب وراثي
يمكن علاج بعض الاضطرابات الوراثية. على سبيل المثال، يمكن علاج الشخص الذي ورث ميلًا إلى الاصابة بارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم عن طريق اتباع نظام غذائي قليل الدسم وأدوية خفض الدهون. الأطفال الذين يعانون من الهيموفيليا الناجم عن الاضطراب الوراثي يمكن ان يجرى لهم عمليات نقل منتظمة للعامل الثامن، وهو بروتين يساعد الدم على التجلط.
الأشخاص المعرضون للخطر
إذا وجدت أن لديك جينًا يهيئك لاضطراب وراثي معين، مثل سرطان الثدي، فيمكن اجراء فحوصات منتظمة لاكتشاف التغيرات السرطانية في مرحلة مبكرة. قد تكون قادرًا أيضًا على إجراء تغييرات على نمط الحياة للمساعدة في تقليل خطر الإصابة بالمرض. على سبيل المثال، إذا كان تاريخ عائلتك يوحي بأنك معرض لخطر الإصابة بمرض السكري، فيجب عليك الحفاظ على وزنك ضمن المعدل الطبيعي.